0



عبد المالك يعكوب و محمد اباحمان

مرت الدراسات التاريخية بثورتين منهجيتين: الأولى بعد هزيمة 1870 حيث تميزت بظهور الوضعانية المتأثرة بالمنهجيات الألمانية في حقل التأليف التاريخي. ودشنت هذه المرحلة بتأسيس " المجلة الألمانية" 1876 التي توجت بإصدار كتاب " المدخل للدراسات التاريخية" للانغلوا وسينيوبوس. والثانية قام بها L.FEBVRE و M.BLOCH عندما عينا في جامعة ستراسبورغ 1919 بعد استردادها من الألمان, وتوجت بتأسيس مجلة "الحوليات " 1929. وفي هذا الإطار ستقوم حرب سجالية بين القديم والحديث, اتخذت مناحي علمية ومنهجية وسياسية وعرقية.

- علمية ومنهجية: بين المناخ التقليدي الذي ميز السوربون ومن خلاله الوضعانية المنهجية التي هيمنت على التاريخ في شكله الحدثي- السياسي والدبلوماسي والعسكري- وبين الفكر البديل المهتم بالقضايا والإشكاليات الجديدة في مجال البحث التاريخي كحافز أولي لاستجلاء الدفين بين طيات الظاهرة التاريخية بطريقة يطبعها الدقة والشمول دون الارتباط الضيق بالوثيقة.

- سياسية عرقية: وذلك بإعطاء التاريخ روحا قوميا مستقلا عن امامية الجرمان وممثليهم الوضعانيين في فرنسا, يؤكد ذلك عدول BRAUDEL عن التوجه نحو التاريخ الألماني – وهو الملم باللغة الألمانية- حينما طرح له مشكل اختيار أطروحته بالقول:" إن هذا التاريخ – الألماني – كان يظهر لي مسمما بصفة مسبقة بالنظرلاحساساتي الفرنسية المفرطة " وكذلك لوسيان فيفر وهو المهتم بالقاعدة الاقتصادية لم يشر في كتاباته لماركس إلا ناذرا.

ومهما يكن فلقد قطعت هذه النزعة الجديدة للتاريخ الفرنسي أشواطا ومراحل. فمن "التركيب التاريخي" إلى "التركيب " إلى" حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي" إلى" الحوليات: اقتصادات مجتمعات حضارات " إلى "التاريخ الجديد" وريث الحوليات. أكثر من نصف قرن (1900-1970) سيطبع روح الحوليات جل مؤرخي فرنسا, وستؤثر على بعض مؤرخي أوربا الغربية, والولايات المتحدة, وأمريكا الجنوبية.

من هذا المنظور, يتوخى هذا العرض استجلاء أصول وبرنامج الحوليات, ورصد المحطات الأساسية التي طبعت مسيرة هذه المدرسة بمختلف تجلياتها الفكرية والإيديولوجية. والوقوف عند أهم انتاجات روادها الكبار, مع إبراز الدعامات المؤسساتية التي استند إليها فريق الحوليات, وبعض الانتقادات التي وجهت لاختلالاتها المنهجية والنظرية.

أولا:الحوليات LES ANNALES الأصول والبرنامج

ترجع الإرهاصات الأولية التي استهدفت تأصيل الكتابة التاريخية بفرنسا على الأقل إلى القرن 19. وقد أعقب هذه المبادرة الأولى مبادرات أخرى لا تخلو من أهمية, حيث ستشكل احد المنطلقات الأساسية في تجدير البحث التاريخي الفرنسي. ويتعلق الأمر هنا بالمشروع المتزامن وهزيمة 1870, إذ تأسست سنة 1876 " المجلة التاريخية " التي كانت تقليدا واعيا للمجلات العلمية الألمانية. ثم تأسيس " مجلة التركيب التاريخي" التي عبرت عن نفسها في صمت خلال العشرينيات, وبشكل أكثر علانية خلال الثلاثينيات. حيث حملت هذه النزعة الجديدة للتاريخ الفرنسي ومنذ بدايتها, شعار التصدي للوضعانية التي هيمنت منذ بداية القرن العشرين على الإنتاج التاريخي في شكله التقليدي المهلوس بالحدث, والمقيد بالوثيقة بمفهومها الضيق, والتمرد على النظام الجامعي بكل توجهاته المنهجية والمفاهيمية والعملية الذي تقوده السوربون. مقترحة برنامجا بديلا يروم فك الارتباط وإحداث قطيعة معرفية مع المشهد الذي ميز الاسطوغرافيا الفرنسية, هادفا في ذات الوقت إلى خلق نسق متلاحم من العناصر الجديدة والحاسمة في دراسة وكتابة التاريخ, وتركيز الاهتمام على القضايا الجديدة التي تمس التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والديمغرافي والذهني, ثم توسيع حقل المعرفة التاريخية وذلك بالانفتاح على مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية, ومواصلة الاحتكاك بها, وفرز أسلوب جديد في طرح الإشكاليات وتصور جديد لزمن التاريخ.

وانسجاما مع منظورها, ارتكز هذا التصور الجديد على معايير نظرية ومنهجية وعملية. إذ مكن البحث التاريخي من الاستفادة من " علوم الإنسان" واستغلال وتوظيف حصيلة العلوم المجاورة وإضافة تكوين أولي حول الحفريات والإحصاء واللغات القديمة... شتراوس.اعدة, وحافظت على بعض الإسهامات العلمية التي قدمتها الماركسية, وتطبيق طرق التحليل البنيوي خاصة أعمال ك.ل.شتراوس . كما جسدت أهدافها في إعطاء بعد تاريخي زمني للمتغيرات الاقتصادية المختلفة التي يمكن حسابها من اجل إدراك الحلقات العميقة والظواهر ذات المدى الطويل نتيجة إخفاقات المشروع الرأسمالي, والقضاء على عقلية التخصص وذلك بالتشجيع على تعدد التخصصات LA PLURIDISCIPLINARITE, والمساهمة في صياغة وبلورة مسح اركيولوجي شامل لتاريخ الإنسانية, خاصة تاريخ الشعوب غير المكتوب.

ثانيا: رصد المحطات الأساسية التي طبعت مسيرة الحوليات

1- مرحلة العشرينيات: " من التركيب التاريخي إلى التركيب "

منذ السنوات الأخيرة من القرن 19 أعطى المفكر والفيلسوف هنري بير H.BEER (1862-1955) انطلاقة حوار بين التاريخ والعلوم الاجتماعية(جغرافيا, سوسيولوجيا, علم اقتصاد...) وعيا منه بان التاريخ ليس التنقيب عن التفاصيل وإنما الأساس الذي تقوم عليه أحدث التطورات البشرية. يقول بروديل:" إن هذا الرجل هو إلى حد ما الحوليات قبل نشوءها منذ سنة 1900 وربما قبل ذلك منذ 1890, إليه يجب الرجوع إذا أردنا أن نعرف كيف بدا كل شيء".

تبدو مساهمة بير في تطوير المعرفة التاريخية من خلال العديد من الأعمال. لعل أهمها المقال الذي صدر له ب" المجلة الجديدة" سنة 1890 تحت عنوان " محاولة في علم التاريخ: المنهج الإحصائي ومسالة الرجال الكبار". فضلا عن أطروحته " مستقبل الفلسفة: خطاطة لتركيب المعارف المؤسسة على التاريخ" سنة 1898 ومن خلال هذه الأعمال يمكن التركيز على نقطتين:

تأسيس مجلة التركيب "LA REVUE DE SYNTHESE " سنة 1900, والتي اشرف على إدارتها طيلة نصف قرن بنية جمع الأشكال المختلفة التي يتوزع حولها التاريخ: تاريخ سياسي, تاريخ اجتماعي, تاريخ اقتصادي, تاريخ العلوم, تاريخ الفن... محاولا زيارة هذه العلوم ومساءلتها. ولقد حظيت هذه المجلة بمساهمة تخصصات متعددة تدعو كلها إلى إدراك عميق للواقع الاجتماعي, وتحطيم الحواجز بين مختلف علوم الإنسان, والعداء للوضعانية. وكانت أعدادها ملتقى يجمع علماء اجتماع (E. DURKHEIM) جغرافيين (IDAL DE LA BLACHE) اقتصاديين (F. SIMIAND) علماء نفس (H.VALON) مؤرخين (L. FEBVRE) واستمرت هذه المجلة تحت هذا العنوان إلى سنة 1931 لتغير اسمها إلى مجلة"التركيب " واختفاء نعت "التاريخي" تبرره سيادة الفلسفة والعمومية على المجلة
تنظيم أسابيع التركيب:هي ملتقيات فكرية وندوات منتظمة لتبادل الأفكار والأخبار. شارك فيها مجموعة من المثقفين الجامعيين من بينهم:المؤرخ الاقتصادي (H. HAUSSER) والسوسيولوجي الاقتصادي (F. SIMIAND) والسوسيولوجي (M. HALBWACHS) والفيلسوف (L. BRANSCHVIQ) والمؤرخان (L. FEBVRE .M. BLOCH) إلى جانب بعض البيولوجين والفيزيائيين. وكان فيفر المحرك والمسؤول عن الأسابيع. 

بالإضافة إلى تلك الأعمال كان ه. بير منذ 1920 يدير سلسلة هائلة صدرت في 40 مجلدا خلال فترة ما بين الحربين تدعى " تطور البشرية" "L EVOLUTION DE L HUMANITE".

داخل هذه الدائرة تشكلت بؤرة انبثقت عنها رغبة خلق مجلة أكثر واقعية من مجلة التركيب واقل تفلسفا, وتعتمد أبحاثا ملموسة وجديدة فمن هذه الرغبة أو على الأصح من هذه الضرورة نشأت مجلة الحوليات حينما التقى بلوك وفيفر بجامعة ستراسبورغ سنة1919, وسينتظران 10 سنوات لإصدار مجلتهما سنة1929. وخلال هذا الفاصل الزمني كانا يتعاونان بانتظام مع نير. إلا أن المتتبع للظرفية الفكرية لهذه الفترة سيلاحظ أن مجلة التركيب ظلت على الرغم من مكانتها العلمية على هامش المؤسسات الجامعية وفي حاجة إلى الشرعية الأكاديمية بينما ظهرت مجلة الحوليات, " حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي" في قلب جامعة ستراسبورغ التي أريد لها أن تكون واجهة ثقافية لامعة ومجددة للفكر الفرنسي أمام ألمانيا. كما سيلاحظ من جهة أخرى أن الحوار الذي طبع"الأسابيع " ظل حوارا نظريا محضا ولم يتجسد بشكل عملي في الأبحاث التاريخية. ففي حين فتحت "لتركيب " المجال وبإفراط لنقاشات نظرية ومفاهيمية.كانت " الحوليات تروم فتح صفحاتها " لرجال الزمن الماضي والزمن الحاضر لطرح مشاكلهم الملموسة" وأكيد أن المتعاونين مع "التركيب" شاركوا في خلق "الحوليات"

2- مرحلة الثلاثينيات : من " التركيب " إلى " حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي"

يجمع اغلب الباحثين أن L. FEBVRE (1878-1956) وM.BLOCH (1886-1944) يعزى لهما الفضل في وضع لبنات وقواعد التأسيس. أي تأسيس نموذج في الكتابة و البحث التاريخيين, الذي شكل حلقة أساسية بل مركزية ضمن النسق الاسطوغرافي الفرنسي, الذي يعطي الأولوية والأهمية للبنيات الاقتصادية والاجتماعية التي ظلت سجينة الإهمال والتهميش. ولقد تجسدت مكونات هذا الطرح في افتتاحية العدد الأول من المجلة والتي سطرت مجموعة من الأهداف:

القضاء على عقلية التخصص, وتسهيل وحدة العلوم الإنسانية.
الاهتمام بقضايا أساسية وجديدة تمس التاريخ السوسيو اقتصادي, والديمغرافي, والذهني.
إفراز أسلوب جديد في طرح الإشكاليات التاريخية وتصور جديد لزمن التاريخ
الانتقال من مرحلة المجادلات النظرية التي ميزت " التركيب" إلى مرحلة الإنجازات العملية الملموسة. 

فما هي الظرفية الفكرية والابستمولوجية التي افرزت فكر الحوليات؟ وما هي الخلفية التي حركت مجال صياغة هذه الاهداف؟

يعتبر فكر "الحوليات" كما سلف, تتويجا لسلسلة من المجهودان النظرية والمنهجية والعملية التي استغرقت عقودا من الزمن, فوسط الحقل الثقافي الذي ميز الاسطوغرافيا الفرنسية سيوفر المؤرخان: ل. فيفر و م. بلوك شروطا لحوارات مع ثلاثة اتجاهات فكرية:

المدرسة الجغرافية مع V.DE LA BLACHE و DEMANGEON والتي كانت تقترح "مقاربة شمولية لتحليل الواقع الاجتماعي تقوم على أساس علاقة جدلية بين الزمن والمجال, وبين الجماعات البشرية والوسط الطبيعي"
المدرسة السوسيولوجية التي نشطت بفضل الفعاليات الكبيرة ل E. DURKHEIM وذلك من اجل بناء " مقاربة شمولية لفهم الواقع الاجتماعي انطلاقا من علم اجتماع موحد تصب فيه مختلف آراء علوم الإنسان "
علم الاقتصاد الألماني لاسيما أعمال K.MARXوG.VON SCHOMOLLERS الذي قدم للمؤرخين الفرنسيين أطرا نظرية وأدوات منهجية أساسية للتحليل التاريخي. حتى أن تأثير المجلة الألمانية " مجلة التاريخ الاقتصادي " ظل حاضرا, ومنها تم اقتباس اسم المجلة الفرنسية الجديدة 

"Les Annales d’histoire économique et sociale" التي ظهرت سنة 1929.

على محك هذا الحوار النظري والاحتكاك المنهجي بين التاريخ وهذه المدارس والأفكار, فضلا عن التحدي الحضاري والثقافي الذي نسجت خيوطه أزمة 1929 وعواقبها الوخيمة وانعكاساتها على الأنساق الاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية برزت " الحوليات" لتسجل نقلة نوعية وكيفية في مجرى ومسار البحث التاريخي وذلك من خلال جملة من الأبحاث يمكن تقسيمها إلى نوعين متكاملين:

١ نوع مرتبط بأعمال نظرية ومنهجية حول البحث التاريخي تروم استفادة التاريخ من علوم الإنسان نذكر منها:

*" معارك من اجل التاريخ " Combats pour l’histoire ل L.Febvre والصادر سنة 1953 وهي مجموعة مقالات ظهرت في مجلتي التركيب والحوليات , بلغت 924 عمل ما بين مقالة وحاشية ونقد وتقرير يمتد تاريخ كتابتها من 1906 إلى 1952.

* " دفاع عن التاريخ أو مهنة المؤرخ " Apologie pour l’histoire ou métier d’historien.M.bloch والصادر سنة 1941 والذي يعتبر بمثابة بيان تاريخي لم يتمكن صاحبه من إتمامه بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية. حيث أعده ونشره فيما بعد ل. فيفر تحت عنوان مزدوج. وهذا المخطوط هو عبارة عن جواب على كتاب لانغلوا وسينيبوس السابق وبيان لمدرسة الحوليات.

يزخر الكتابان بالكثير من التعاليم التي تدعو المؤرخين إلى ضرورة الاحتكاك بالعلوم الاجتماعية, والإطلاع على نتائج العلوم الأخرى, وعدم الاقتصار على الوثائق المكتوبة كعنصر مركزي في التحليل التاريخي. كما يعدان بمثابة نداء بضرورة توسيع دائرة مصادر المعرفة التاريخية وذلك بالاعتماد على كل ما من شانه أن يفيد في فهم وحل القضايا التاريخية (بقايا اركيولوجية, نقود قديمة, خرائط, رموز... والاستعانة بالعلوم المجاورة مثل اللسانيات وعلم الأخلاق... كما تثير الانتباه للقبليات الأيديولوجية في التعاطي مع التاريخ وخاصة التاريخ التاريخاني.

٢ نوع مرتبط بأبحاث تاريخية عملية ويتجلى فيها بوضوح رصد العلوم الإنسانية نذكر منها:

" الأرض والتطور البشري: مقدمة جغرافية للتاريخ" ل لوسيان فيفر والصادر سنة 1922 بالسلسلة الضخمة " تطور البشرية " وفيه عمد المؤلف إلى مد الجسور بين التاريخ والجغرافيا, وهو الكتاب الذي سيمهد السبيل للتأليف لاحقا أمام الجيو-تاريخ La geo histoire
"الخصائص الأصلية للتاريخ القروي الفرنسي من القرن11 إلى القرن 18 " ل مارك بلوك والصادر سنة1931. وهذا الكتاب هو تحليل لتطور البنيات الزراعية في الغرب القروسطي والحديث, يعاين فيه صاحبه أشكال استغلال الأرض, تقنيات الإنتاج, طرق الإسكان, الممارسات الجماعية خلال مدة طويلة وفي مجموع فرنسا.
" المجتمع الفيودالي "La société Féodale ل مارك بلوك أيضا والصادر سنة 1936 والكتاب مشروع تركيبي لمعارف المرحلة, وتحليل مجتمعها الإقطاعي تحليلا اقتصاديا واجتماعيا واثنوغرافيا. 

إلى جانب هذه الأعمال دشنت الحوليات في نفس المرحلة ميدان التاريخ الاقتصادي كتوجه عملي آخر إذ انصب الاهتمام على تاريخ الظرفيات المبني على أساس الأرقام والجداول والمبيانات- التاريخ الكمي- وفي هذا الإطار ستبرز أعمال مهمة منها:

" التقلبات الاقتصادية والأزمة العالمية " ل F. SIMIAND والصادر سنة 1932
" الخطوط العامة لحركة الأسعار والمداخيل بفرنسا خلال القرن18 " ل E. LABROUSSE 1933 Esquisse de mouvement des prix et de revenus en France au 18 siècle
" ازمة الاقتصاد الفرنسي في نهاية العهد القديم وبداية الثورة" لنفس المؤلف والصادر سنة 1943 

لاينتمي لابروس بشكل صارم لمدرسة الحوليات لكنه قبل بالتعاون مع أقطابها, وفي نفس الوقت كان يدرس بالسوربون حيث كون جيلا من المؤرخين الاقتصاديين الذين استخدموا التاريخ الكمي كأساس للتاريخ الاجتماعي. ففي كتابه الأول كشف لابروس عن تتابع الدورات الاقتصادية في فرنسا والظرفية التي أفرزت الثورة الفرنسية. مستعينا بسلسلة من الاثمنة, وبفضل المعطيات الإحصائية التي جمعها. قدر أن حركة المدة الاقتصادية الطويلة Trend تحصل كل قرن. وحركات المد والجزر على مدى 25 سنة. والدورات القصيرة على مدى يقل عن 10 سنوات. بينما التقلبات الموسمية تحدث خلال بضعة اشهر.

أما كتابه الثاني فيؤسس نموذجا لازمة عهد ما قبل الثورة الفرنسية. فبعد دراسة إحصائية, أوضح أن الأيام الثورية هي تلك التي عرفت أدنى مستوى في إنتاج الحبوب, وأعلى مستوى أسعار الخبز والخمر. واستنتج أن الاختلالات الاقتصادية تنعكس بأشكال مختلفة على الطبقات الاجتماعية وتقود نحو الصدمات السياسية.

3- مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية " من حوليات التاريخ الاقتصادي الاجتماعي"

إلى " الحوليات: اقتصادات مجتمعات حضارات"

بعد الحرب العالمية الثانية سيفرض التاريخ الجديد نفسه اعتمادا على مجلة " الحوليات: اقتصادات مجتمعات حضارات" E.S.C وعلى معهد للبحث والتدريس, الشعبة6 من المدرسة التطبيقية للدراسات العليا La 6 section de l’école pratique des hautes études وعلى شبكة من العلاقات داخل أوساط النشر والصحافة.

فبعد تحرير فرنسا 1946 والى 1956 التي تصادف تاريخ وفاة لوسيان فيفر توجهت المدرسة في اتجاه يتجاوز المعطى السوسيواقتصادي المتمركز حول مفاهيم الدورات والأزمات والظروف إلى منهج البنيات والمدد الطويلة. وفي هذا الإطار اقتحم فيفر حلقات تاريخية جديدة خولت له إمكانية استكشاف ميدان العقليات, مانحا المجلة عنوانا جديدا ومحتفظا بإدارتها مستعينا بمجموعة جديدة ضمت

F.Braudel. … P. Leuillot- J Freidman –

ما بين 1956-1976 سيصبح بروديل موجهها والمسؤول عليها بعد أن أحاط نفسه بهيئة تضم J. Le goff E.Leroy ladurie - M.Ferro- وكتابة تولى عليها J.Revel -R.Mandrrou A.Burguiere ...

شق بروديل طريقه نحو التاريخ الجديد المنفصل عن التاريخ التقليدي متأثرا بدروس الجغرافيا الإنسانية بكتاب " لوحة عن فرنسا " لDe la blache, وباطروحات إقليمية ل Blanchard و Sion و Demangeonالمهتمين بخصائص البيئة الطبيعية أثناء دراسة التحولات التاريخية. كما استوحى تجربة L.Febvre الذي فتح حوارا بين التاريخ والجغرافيا في كتابه " الأرض والتطور البشري"وبنظرته في الكتابة التاريخية القائمة على أساس طرح المشكلات الكبرى L’histoire Problème في سياق الزمن التاريخي الطويل. فضلا عن الاحتكاك مع الاتجاهات الفكرية المختلفة كالمادية وخاصة البنيوية.

سواء في سلسلة مقالاته ذات الطابع المنهجي التي جمعها ونشرها تحت عنوان " كتابات حول التاريخ" 1969 أو في أطروحته النموذجية " البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي في عهد فليب الثاني" التي نشرت عام 1949 أوفي مجموع مؤلفاته الأخرى " الحضارات الكبرى للعالم المعاصر " 1963, و" الحضارة المادية: الاقتصاد والرأسمالية من القرن 15 الى القرن18 " 1980, أو في " دينامية الرأسمالية " 1985 استطاع بروديل استيعاب نماذج الدراسة البنيوية, واتجهت دراساته نحو الجغرافيا التاريخية وهو اتجاه سيؤثر على موضوع التاريخ بشكل جذري من حيث البرنامج وتشكيل المفاهيم.

* مفاهيم التحليل البروديلي.

في أطروحته"La méditerranée et le monde méditerranéen a l’époque de philippe2 1558-1598» حاول بروديل تجسيد أهمية وفعالية المؤثر الجغرافي في ميلاد حضارة البحر المتوسط, كما أن ثنائية العنوان (المجال- الإنسان) وتقديم المجال عن الإنسان يكشف عن الثقل الذي يمثله المجال في صيرورة التاريخ المتوسطي وهو ما اصطلح عليه ب الجيوتاريخ. واضعا ثلاث مكونات متدرجة من مستوى زمن الطبيعة إلى مستوى الزمن الاجتماعي فالزمن الفردي, وهذه الأزمنة متداخلة ومتكاملة لا تفهم إلا في إطار الشمولية التاريخية:

- المكون الأول: في قاعدة الهرم يتعلق بتاريخ شبه ثابت, تاريخ الإنسان في علاقاته مع الوسط الذي يحيط به, تاريخ بطيء السيل والتحول. مكون غالبا من حلقات متكررة.

- المكون الثاني: في الوسط وهو عبارة عن تاريخ ذو إيقاع بطيء, تاريخ بنيوي, تاريخ اجتماعي لأنه تاريخ الجماعات والتجمعات.

- المكون الثالث: في الرأس. هو تاريخ تقليدي, تاريخ ذو بعد فردي وليس ذا بعد إنساني. انه تاريخ التغيرات الوجيزة والسريعة.

وهذا التصميم للتاريخ يطرح جدلية بين المجال والزمن ويفرز تعددية في الأزمنة والآماد:

√ زمن طويل هو المستوى العميق للواقع التاريخي, هو المركز الذي ينجذب حوله الزمن الدوري والزمن القصير. وهذا الأمد الطويل لايمكن أن يفهم إلا في نطاق مفهوم آخر موازي هو " البنية " فالأمد الطويل هو تاريخ بنيات( جغرافية اقتصادية اجتماعية ذهنية ) بطيئة التطور, وهو مفهوم تاريخي, أي تركيب وهندسة. ويظهر هذا التحليل المبني على الأمد الطويل في الفصل الأول من الأطروحة والمعنون ب"حصة المجال " حيث يستعرض فيه مختلف الوحدات الجغرافية المكونة للمجال المتوسطي.

√ الزمن الدوري أو زمن الحلقات الدورية. ويعني به بروديل تاريخ الظرفية Histoire de la conjoncture. تاريخ التذبذبات التي يعيشها الاقتصاد, كواقع ارتفاعات وهبوط الأسعار التي يمكن التعامل معها عبر مقاطع زمنية عريضة:10-20-50 سنة, والجدير بالذكر أن الظرفية امتدت مع بروديل لتشمل إضافة إلى دورات الأسعار ودورات الإنتاج الدورات الديمغرافية, والدورات البيولوجية. ولا يقتصر الفصل الثاني من الأطروحة على " الحلقات الدورية " فقط بل يجمع وعلى نحو جدلي البنيات والظرفيات ( الزمنين الطويل والدوري ) والملاحظ في إطار العلاقة الجدلية بين هذين المستويين, أن الدورات والبيدورات والأزمات إذا تكررت باستمرار ولم تؤدي إلى تراكم حامل لتغيير نوعي.تدرجت في البنية وأصبحت جزءا ايتجزا من الزمن الطويل.

√ الزمن القصير: وهو المستوى الثالث من المستويات المفاهيمية والتاريخية للتحليل البرودلي, والمرتبط بالتاريخ التقليدي, للفرد, للحدث. انه زمن الإخباري والصحفي- الميكروتاريخ- والفصل الثالث من الأطروحة الذي يحمل عنوان " الأحداث السياسية والأفراد " يجمع بين تحليل المؤسسات السياسية والتنظيمات العسكرية للقوتين الاسبانية والعثمانية يعتبر مساهمة في التاريخ السياسي والدبلوماسي والعسكري, وتنازلا منه للتاريخ الحدثي لكنه يجعله في المرتبة الثالثة والأخيرة تاركا المكان الرئيسي للقضايا والمشاكل الأساسية في تاريخ الإنسان.

إن بروديل وان كان في أطروحته قد هدف إلى استيعاب زمن التاريخ في تعدديته ( زمن طويل, زمن دوري, زمن قصير) لفهم الواقع الاجتماعي في شموليته لبناء تاريخ كلي Histoire totale يهتم بكل ما يتصل بالحياة البشرية, فانه في كتابه " الحضارة المادية: الاقتصاد والرأسمالية " قد ركز على البعد الاقتصادي, وكأنه يجسد عمليا التصور المادي للتاريخ. حيث اخذ هذه المرة بعدا أوربيا بل عالميا في إطار تاريخ مقارن يشمل قارات ( أوربا أسيا أفريقيا أمريكا)على مدى الأزمنة الحديثة. وفي الكتابين يسعى بروديل إلى نظرة علمية تسهم فيها العلوم الإنسانية. إذ لاحل بدراسة مبنية على تعدد المناهج وإنما بتوحيد العلوم في " علم إنسان " للوصول إلى استنباط منهجية واحدة تطبق على جميع علوم الإنسان وذلك برؤية شمولية.

بعض سمات المنهج البروديلي 

- تلعب الجغرافيا دورا بارزا في التطور التاريخي, ويساهم الاقتصاد في تحقيق ذلك التطور ويؤثر على الإنسان والبيئة الجغرافية معا.

- عدم الفصل بين الجغرافي والاقتصادي والثقافي والسياسي وغيرها من جوانب الحياة الاجتماعية

- الاستناد إلى وثائق أصيلة والاستعانة بالعلوم المساعدة.

- التاريخ علم شمولي بطبيعته, وعلى المؤرخ إبراز تلك الشمولية من خلال تقسيم الواقع إلى حقب تاريخية تسهل دراستها عبر المدى الزمني الطويل.

- إن التاريخ الجديد متطورا باستمرار ولا يتعارض مع علوم الإنسان أو أن يحاول استيعابها وإنما فقط الاستفادة منها.


- مرحلة الخمسينيات والستينيات : توجيه الاهتمام نحو ميادين الجغرافية التاريخية والتاريخ الاقتصادي والديمغرافية التاريخية.

تمت الإشارة سابقا إلى إن الحوليات دشنت ميدان التاريخ الاقتصادي منذ ثلاثينيات القرن 20 لما تساءل المفكرون والمؤرخون والاقتصاديون حول أسباب التناوب بين فترات الازدهار والانكماش الاقتصاديين عبر فترات دورية باستثناء أزمة 1929 التي خرجت عن هذه القاعدة وكان لها وقع خاص. لذلك ظهرت أبحاث سبرت غور هذه الظاهرة. لعل أهمها أبحاث " سيمياند" « وهنري هوسير" " ارنست لابروس " فضلا عن أعمال " بروديل " التي أفرزت في إطار تلاحم الزمنين الطويل والدوري مجموعة من الأبحاث تخص الرواجات التجارية المنجزة على مجالات جغرافية شاسعة نخص منها عملين أساسيين:

- "اشبيلية والمحيط الاطلنتي:1504-1650 " Séville et l’atlantique 1504-1650 " ل Chaunue P. 1956

- " البرتغال والمحيط الاطلنتي في القرن 17 " Le Portugal et l atlantique au 17 siècle 1570-1670 étude économique. ل F. Mauro 1960

وهناك أعمال جمعت البعدين الزمنيين (الطويل والدوري ) في إطار إقليمي جمعت بين التاريخ الاقتصادي والتاريخ الديمغرافي, أهمها شهرة:

- " البروفانس السفلى من القرن 16 إلى القرن18 " ل.R. Baerel 1961

- " إقليم كاتلونيا في اسبانيا الحديثة " ل P.Villar 1962

- " فلاحو اللانغدوك من القرن 15 إلى القرن18 " ل E.Leroy la durie 1966

والاهم من ذلك أن التاريخ الاقتصادي المرتكز على تحديدات لوائح أثمان المنتوجات ولوائح المداخيل. والتاريخ الديمغرافي المعتمد على سجلات الزواج والوفيات والولادات قد التقيا في اطروحات عديدة تتعلق بإطار محلي, ومدة تغطي عدة قرون وأكثر هذه الاطروحات شهرة:

- " بوفي وبوفيسيس خلال القرنين 17-18 " Beauvais et Beauvaisis 1600-1730 ل. Goubert P. 1960 والتي تمثل منعطفا تاريخيا وتقدم نموذجا لتقدير نمو السكان خلال مرحلة ما قبل الإحصاء, مستفيدا من تجربة لابروس في الاشتغال على السجلات القديمة.

ووجب الذكر انه تشكلت منذ 1962 جمعية للديمغرافية التاريخية بمبادرة من غوبير ورينهارد, ونظمت حلقات دراسية ومناظرات. وجهزت مختبرا تابعا للمركز الوطني للبحث العلميC.N.R.S. وأصدرت مجلة متخصصة "حوليات الديمغرافية التاريخية " .كما تكونت بالجامعات الإقليمية جماعات وجهت طلبة الإجازة والسلك الثالث نحو استخدام السجلات الإحصائية. وفي نفس الفترة قدمت اطروحات تقارن بين التحولات الاقتصادية والديمغرافية, وتكشف عن بنياتها الخاصة, وبفضل تعدد هذه الدراسات المحلية والإقليمية تشكلت تدريجيا لوحة ديمغرافية لفرنسا ما قبل الثورة.



5- مرحلة السبعينيات : تدشين ميدان العقليات.

منذ هذه الفترة تدرجت الحوليات من ديمغرافية تاريخية ذات طابع كمي إلى انتربولوجية تاريخية ذات مظهر كيفي. جسدتها انتاجات أشارت إلى هذا التحول من تحليل الميكانيزمات الديمغرافية إلى تحليل السلوكات الجماعية نذكر منها:

- "تاريخ السكان بفرنسا وموقعهم من الحياة منذ القرن 18" ل F.Aries الذي لاحظ أن الإحصائيات الديمغرافية تكشف عن نمط عيش الناس, وعن التصور الذي يكونونه عن أنفسهم وأجسادهم ووجودهم العائلي. وفي سياق هذا التحول انعطفت جماعة الحوليات ووريثها التاريخ الجديد في اتجاه دراسة الجسد في حالة السقم والصحة والتقت في ذلكبتاريخ الطب حيث ستظهر أعمال مهمة منها:

- " الناس والطاعون بفرنسا وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط "ل ج. بيرابين 1975.

- " الأطباء بفرنسا خلال القرن19 " ل ج. ليونار 1976.

أضف إلى ذلك أن تاريخ السكان قد انعطف أيضا في اتجاه تاريخ الأسرة الذي قاد بدوره إلىتاريخ الجنس بتناوله مشاكل المحرمات الدينية, طرق منع الحمل, العلاقات الشرعية وغير الشرعية… تشهد على ذلك عدة أعمال منها:

- "أشكال الجماع البدوية من القرن 16 إلى القرن19 " ل فلاندران 1975

- " الحياة الزوجية في عهد ما قبل الثورة " ل لوبران 1975

- " الحب بالغرب في العصر الحديث " ل ج. سولي 1976.

وفي نفس الوقت حاول البحث ولوج الميدان الوعر حيث يلتقي البيولوجي والذهني, وبدا الباحثون يفكرون في موقف الإنسان من الحياة عن طريق جمع المعلومات حول الإنجاب والحمل والولادة والطفولة الأولى منها:

- " الطفل والحياة العائلية بفرنسا ما قبل الثورة " ل ف. ارييس 1960

- " الدخول إلى الحياة: الولادات والطفولة بفرنسا التقليدية " ل ج. جيليس وم. لاجييه وم.ف. موريل 1978.

كما تساءل الباحثون حول موقف الناس من الموت عن طريق البحث في الطقوس الجنائزية خصوصا الوصايا و أشكال تصور العالم الآخر منها:

- " الموت قديما " ل M.Vovelle

- " الإنسان والموت" F.Aries 1977

- " الموت بباريس من القرن 16 إلى القرن 18 " ل P.Chaunue 1978

والى جانب اهتمام الحوليات واتجاهها نحو الانتربولوجيا التاريخية أقامت أيضا اتصالا بينالتاريخ والاثنولوجيا. رغم أن الاهتمام بهذا الميدان كان قد برز منذ العشرينيات مع بلوك وفيفر, وستظهر مجموعة من الأعمال أهمها:

- "مونتيو, قرية اوكستانية من 1294 الى1324 "ل E.Leroy ladurie 1975 الذي قدم فيه وصفا دقيقا للأعمال الزراعية لمجموعة قروية عاشت بمنطقة بيمون بجبال البرانس خلال القرنين 13 و14. وأنماط تربية الماشية, وأوضاع السكن, والسلوك اليومي, التكثلات العائلية, الطقوس السحرية, العلاقات مع السلطة…

- " رؤية المهزومين " ل ن. واشتيل 1971. حيث أولى فيه اهتماما لشعوب إمبراطورية الانكا, واكتشاف رؤية المهزومين – الهنود الحمر – من خلال آثارها في الحكايات والاحتفالات والتظاهرات الفلكلورية بمقاربة تاريخية اثنولوجية سمحت بفهم الصدمة التي أصابت القبائل الهندية التي تعرضت للابادة والاستغلال الوحشي الاسباني خلال القرن 16.

وهناك أعمال نبشت في أنماط تفكير النخبة, والاعتقادات الشعبية والتقاليد الدينية تعبر عنها هذه الأعمال:

- " القضاة والسحرة بفرنسا خلال القرن 18 " ل R.Mandrou

- " الورع الناذر والخروج عن المسيحية ببروفانس خلال القرن 18" ل M.Vovelle1978

واهتم تاريخ الذهنيات أيضا بأشكال الاجتماع وخصوصا الاحتفالات التي تكشف عن التناقضات الاجتماعية المكبوتة. وظهرت أعمال تجمع بين التحليل النفسي والتاريخ " علم النفس التاريخي " منها

- « لودان المسكونة " La Possession de Loudun ل M.DE Certeau 1970 وهو كتاب يمزج فيه صاحبه بين التاريخ السياسي وعلم الاجتماع الديني وعلم النفس المرضي لفهم قضية سحرية في القرن 18.

وبمناسبة الذكرى الخمسينية للحوليات كلف بروديل في بداية السبعينيات الفريق الجديد للحوليات

j. le goff- E.Leroy ladurie … بوضع جرد تقييمي لأعمال الحوليات ظهرت كالتالي:

- " صناعة التاريخ " وهو عبارة عن ثلاث مجموعات من المقالات جمعها LE goff P.Nora سنة1974 تطرح" مشاكل جديدة " وتضع الخطوط العريضة ل " مقاربات جديدة" " تحدد مواضيع جديدة ".

- " التاريخ الجديد " وهي موسوعة نشرها j. Le goff 1978. عبارة عن خليط من المقالات المتعلقة ب: * *الأسس (مفهوم البنية, المدة الطويلة, التاريخ المباشر….)

* الأسماء (ه. بير, سيمياند, دومزيل…)

* المصطلحات (المناخ, اللغة, التحليل النفسي….)


ثالثا: الدعامات المؤسساتية التي تستند إليها الحوليات


ابتكرت الحوليات طرق جديدة بهدف توسيع مجال رقعة الخطاب التاريخي المكانية على الساحة العالمية من خلال توفر المدرسة على عدة وسائل. يقول j.Chesneau " إن تكتل الحوليات هو احد مراكز السلطة الفكرية بفرنسا "

· اعتماد مجموعة الحوليات على مؤسسة جامعية: حيث حصل L.febvre سنة 1947 على ترخيص بتأسيس شعبة سادسة داخل المدرسة التطبيقية للدراسات العليا, متخصصة في العلوم الاقتصادية والاجتماعية. ثم خلفه F.Braudel على رئاستها سنة 1956. وعند نهاية الستينيات والسبعينيات جمعت الشعبة 30 مديرا للدراسات منهم: مؤرخون (j. le goff-E.leroy ladurie F.Furet-M.Ferro ) علماء اجتماع (A .Touraine –G.Friedman )سيكولوجيون-مؤرخون (M.De certeau – A.Besanson ) اقتصاديون وديمغرافيون(P.Villar-Labrousse ) ولقد احتفظت الشعبة على نفس الأهداف والتوجهات التي رسمها لوسيان فيفر:

- تامين الربط الوثيق بين التعليم والبحث

- تشجيع البحوث الميدانية الجماعية

- تنظيم لقاءات بين العلوم الإنسانية.

. خلق دار علوم الإنسان "LA Maison des sciences de l homme " سنة 1968 من طرف بروديل , حيث منحت تجهيزات ضخمة ضرورية للبحث وطاقم مكلف بتشغيل مختلف المصالح.

· تحول المدرسة التطبيقية للدراسات العليا إلى مدرسة للدراسات العليا للعلوم الاجتماعية, وحصولها على وضعية جامعة. وهو ما سهل عليها الحصول على القروض, وتسجيل الطلبة ومنح الشهادات.

· الحضور القوي لمسؤولي الحوليات داخل دور النشر: "غاليمار- فلاماريون – هاشيت

· احتلال فريق الحوليات مواقع مهمة داخل وسائل الإعلام عن طريق تقديم تقارير عن كتب التاريخ في بعض الصحف اليومية والأسبوعية مثل Le Monde - Le Nouvel observateur. وتقديم برنامج إذاعي " اثنين التاريخ " Les Lundis de l histoire من طرفJ.Le goff. وظهور ممثلي الحوليات بكثرة خلال المناقشات التاريخية والسياسية والأدبية بالتلفزيون.



رابعا: بعض الانتقادات التي وجهت للحوليات

- يرى المؤرخ الايرلندي W.DEN BOER أن " الحوليات " و"التاريخ الجديد" قد استفادا من ميكانيزم معروف جيدا في تاريخ العلوم, يسميه" ظاهرة التركيز الضخم ". ويضيف « بفرنسا كما ببلدان عديدة غيرها, كانت توجد أفكار وبرامج ونماذج شبيهة بما لدى الحوليات. لكنها تنتمي إلى زمن سابق على خلق هذه الأخيرة." ويضيف أيضا " إن بلوك وفيفر لم يكتشفا حقا شيئا ذا بال, ولكنهما اتاحا لمقاربة عصرية للتاريخ أن تعرف النجاح المبكر في فرنسا, وان تصبح مؤسسة, الشيء الذي أدى إلى إقامة قنوات واتاح إمكانية البحث والنشر.

- إن اللازمة المعرفية حول التاريخ الجديد ( الأسطورة, الطقس, اللاوعي, الموت, الجنس, المرض…) التي ازدهرت خلال العشرين سنة الأخيرة ليست بريئة من الخضوع للموضة, والاستجابة لرغبات الجمهور الواسع والمتعطش لدراسات حول الممارسات الجنسية, الوسواس, الغرائز المكبوتة…

- ردة الحوليات عن الوظيفة الشمولية حيث أصبح التاريخ يكتب بالحرف الصغير وبصيغة الجمعhistoires وهذا المعنى الجديد للتاريخ جعل المعرفة التاريخية تتفتت إلى أجزاء وتحلل الموضوع التاريخي داخل المحيط الشاسع للعلوم الإنسانية, وفقدانه لكل استقلالية – مع هذه الجماعة الجديدة – بعد أن كان في مرحلة سابقة يطمح إلى جمع كل تلك العلوم حول التاريخ.

- القول بانتفاء كل إيديولوجية عن أعمالهم لا تصمد أمام النقد إذ يمكن القول أن حقول العلوم الإنسانية لا تتسم بالبراءة والموضوعية حيث يختفي وراء كل خطاب جانبا مسكوتا عنه.

- تجنب المؤرخين الحوليين "كل اختيار إيديولوجي " وكل ما له طابع أنظمة/قوانين شمولية معممة وتجنبا لكل حتمية في التغيير يسقطهم في التفسيرات المتعددة للتاريخ.

- يعتقد الحوليون بان التاريخ يسير بوثيرة معينة, ولكن في نفس الوقت لا يسير نحو هدف معين وهو ما أضفى على تحليلاتهم نوعا من الارتباك في تحديد غائية التاريخ وسيرورته والتاويلات الكبرى لمستقبل الإنسانية التي اقترحها فيكو, وكروتشي, وهيغل وديلتاي…

- إعطاء الأولوية إلى الأزمنة التاريخية الطويلة أدى إلى تركيز الإنتاج التاريخي الحولي على الفترات الحديثة والوسيطة وإهمال التاريخ القديم والمعاصر.

- تقديس الأسلاف حيث يبلور الخطاب الحولي صبغة شبه أسطورية لجذوره مع تخصيص تقديسي حقيقي للآباء المؤسسين, واستسلامه "بكسل" لتقديس الشخصية. يقول ميشيل مورينو:" إننا لا نجرؤ حتى على رصد أخطاء سيمياند, ونتعامى بنفس الدرجة عن الأخطاء الكبرى التي لا تخلو منها دراسات اقرب عهدا… إنني أدين عددا من الأخطاء الخطيرة التي تسربت إلى عدة مجالات أساسية في تاريخ الاقتصاد الحديث. وأدين التسامح الذي نعمت به لالشيئ إلا لمكانة كاتبها… وأدين… تقديس الشخصية في مجال التاريخ…"

- يوجه العروي انتقادات شديدة للمدرسة أيضا (كأدوات منهجية وكجهاز نظري

· " شمولية أم تلفيق «, " منهجية بلا قاعدة نظرية "

· إخفاق التناهج فقد يتحول عالم الطبيعيات إلى مؤرخ ولكن في حقله وميدانه دون أن ينجم عن عمله هذا أي تفاهم فعلي مع المؤرخ المحترف.

· تغييب ورفض النظرية المعرفية كما بلورتها المدرسة الألمانية.وهذا هو مكمن النقص في هذه المدرسة حسب العروي.

-الجانب الاشهاري للمشروع والامتيازات الممنوحة "للغة الإعلامية ".



المراجع المعتمدة في إنجاز هذا العرض.

1- 1- مجلة أمل العدد الأول / السنة الأولى / 1992 « مدرسة الحوليات " كي بوردي / ترجمة مصطفى الناجي.

2- 2- مجلة أمل العدد الثاني / السنة الثانية / 1992 " تكويني كمؤرخ " ف. بروديل / 

ترجمة محمد حبيدة.

3- 3- مجلة أمل العدد الثالث /السنة الأولى /1993 " مدرسة الحوليات, مفاهيم التحليل البروديلي " محمد حبيدة.

4- 4- مجلة أمل العدد السادس / السنة الثانية / 1995 " التاريخ الجديد وريث مدرسة الحوليات " هيرفي مارتان بتعاون مع كي بوردي. ترجمة المصطفى الناجي.

5- 5- مفهوم التاريخ الجزء الأول / المركز الثقافي العربي / ط1 / 1992 عبد الله العروي.

6- 6- العلم الثقافي العدد 803 / 1992 " ملاحظات حول مدرسة الحوليات " عشاق مولود.

7- 7- جريدة العلم العدد 18220 /2000 " على المؤرخ اليوم لن يظل على صلة بالحاضر" حوار مع المؤرخ الفرنسي جاك لوكوف. ترجمة عبد الرحيم حزل.

8- 8- موسوعة" ENCARTA " 2004


إرسال تعليق

 
الى الاعلى