لكفاح الوطني ....من تازة إلى الصحراء
عبد الإله بسكمار
المغرب كمقاومة لم تتم مقاربته بشكل موضوعي شامل لحد الآن ....وبالنسبة لجميع مناطقه وجهاته ... المغرب كممانعة رغم الشروط التاريخية المتردية ..هو عنوان مستمر في الزمان والأرض والإنسان وعلى إيقاع المناورات والتعديات والمعيقات الذاتية والموضوعية ...استمر شيء إسمه المغرب .... ظلت الكوارث متلاحقة : مجاعات قاتلة …صراعات على السلطة ..فوضى وحروب أهلية ضارية ....أوبئة فتاكة بالبشر والحجر ومع ذلك ، ظلت المقاومة كعناوين كبرى لمراحل تاريخية بكاملها منذ احتلال الشواطئ المغربية على يد الإسبان والبرتغال ... المغرب صمد لكل ذلك .... في أحلك الفترات هب المغاربة ضد الغزاة بمختلف أنواعهم وأنماطهم ومنابعهم .... رفض المغاربة الخضوع للعثمانيين ( وهم مسلمون سنة أي يشتركون معهم في الدين والمذهب )...لأن الأمر أولا وأخيرا يخص بلدا معتزا باستقلاله وخصوصياته عبر العصور ....ولم تنته عمليات التهدئة Pacification مثلا والتي قامت بها القوات الفرنسية وجيش إفريقيا Armée de L’Afrique باسم السلطان مولاي يوسف إلا سنة 1934 بعد إبادة قبائل برمتها وتدمير قرى بكاملها ضمن جرائم استعمارية فظيعة جند فيها قسرا للأسف الشديد كثير من أبناء جلدتنا في إطار جيش إفريقيا لتبدأ النضالات السياسية للحركة الوطنية التحررية ثم كانت العودة إلى البندقية عبر العمليات الفدائية في المدن وانطلاق جيش التحرير في 02 أكتوبر 1955....لتنتهي ملحمة الجهاد الأصغر وتبدأ مسيرة الجهاد الأكبر ضد الفقروالاستبداد والهشاشة والجهل والتهميش والتخلف ....
التفاصيل سواء منها الحقيقي أوالمحور والموجه أوالملفق حتى ، موجودة في مظان المراجع والمصادر والمذكرات والوثائق المكتوبة والشهادات المختلفة وكتابات وسير رجال ونساء المرحلة وليس المجال هنا طبعا للحديث عن كل ذلك لأن حيزه المجلدات والمكتبات ومراكز البحث والجامعات وهو ما قامت بجزء منه ووثقته المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير ....
أقدم للأحبة القراء والمبحرين في أجواء الاحتفال وتخليد الذكرى الأربعين لحدث المسيرة الشعبية الخضراء التي حررت الصحراء الغربية المغربية من ربقة المستعمر الاسباني ...صفحة وطنية فريدة من نوعها تجلت خلالها مشاهد المقاومة الوطنية ووحدة المصير بين شمال المغرب وجنوبه... بين صحرائه ونجوده وجباله ...كأروع ما يمكن ...تلك هي المقاومة التي أججها وقادها المجاهد محمد المامون الشنكيطي خلال فترة التغلغل الاستعماري وحرب التهدئة والتي جوبهت بمقاومة القبائل المغربية ....وكان لمنطقة تازة وأحوازها نصيبا وافرا من تلك المقاومة خاصة وأن تقاليد الجهاد والتحفظ من الأجنبي الدخيل ظلت راسخة لدى تلك القبائل منذ حقب متقدمة من التاريخ تعود على الأرجح إلى فترة مقاومة الاستعمار الروماني نفسه مرورا بمختلف المراحل المعلومة ودور بلاد تازا في التصدي للمد الإيبيري من خلال الجهاد في الأندلس والمحاولات المتكررة لتحرير مدينة مليلية ( أبرزها حصار السلطان محمد بن عبد الله للمدينة المحتلة انطلاقا من تازة سنة 1774 والذي لم يكلل بالنجاح نظرا لتخاذل الإيالة الجزائرية / العثمانية عن تحرير وهران في نفس الوقت وبالتالي تراجعها عما تم الاتفاق عليه مع سلطان الإيالة الشريفة )....ثم دعم مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري ...والجنوب الوهراني / بوعزة الهبري ....عبد المالك والحجامي ومحمد المامون والشنكيطي باعتبار أصوله ونشأته الصحراوية الجامعة بين أدرار التمر ( بموريطانيا الحالية والتي كانت جزءا من الإمبراطورية المغربية الشريفة كما لايخفى ) وقبيلة أهل بارك الله الزاوية ( من جهة أمه ) القاطنة بمنطقة وادي الذهب وهي الحيز الجنوبي من الصحراء المغربية الغربية التي استرجعها المغرب تباعا سنة 1975 و1979 ...
بدأت أخبار الشنكيطي ودعوته الجهادية تتواتر في الصحافة الفرنسية وكتابات الضباط والجنود الفرنسيين بدءا من سنة 1913 وبالضبط منذ ماي من تلك السنة حيث بايعته قبائل منطقة تازة قائدا للجهاد بإيعاز من الزاوية الدرقاوية التي لعبت دورا هاما في التصدي للجيش الفرنسي على مستوى المنطقة ...يذكر أنه في نفس هذه السنة كانت القوات الفرنسية بقيادة ليوطي وبمغارتن وغوروقد سيطرت على امسون ( 30 كلم شرق تازة ) وتيسة شمال فاس بعد بسط السيطرة على حوض ملوية الشرقي والغربي وإخضاع العاصمة فاس على إثر أيامها الدامية ... وبدأت القبائل فعلا تهاجم عساكر الفرنسييين ومراكزهم المتقدمة وقوافل تموينهم وخاصة منها غياثة والبرانس وذلك بتنسيق مع المقاومة التي قادها عبد المالك بن محي الدين ضد الفرنسيين ،علما بان قادة آخرين للمقاومة المسلحة تحدثت عنهم مصادر الفترة - وكلها فرنسية - وأهم هؤلاء سيدي رحو والشريف الحجامي والسملالي وكان العداء الفرنسي الألماني على أشده وقتذاك ، الشيء الذي استغله الشيخ الشنكيطي للحصول على الأسلحة والدعم اللازمين عن طريق وكيل ألماني بمدينة مليلية وهو ما كبد الجيش الفرنسي خسائر كبيرة في الأرواح بلغت على سبيل المثال17 قتيلا وجريحا عند احتلال مدينة تازة و 39 قتيلا في مواجهة البرانس و46 في مواجهة التسول ....وطبعا مئات الشهداء والجرحى في صفوف القبائل الثائرة....وسجلت مناطق الطواهر وكدية البيوت( غشت 1914) وكدية الأبيض صدامات وهجومات عنيفة لقبائل المنطقة التي كانت تستعمل الكمائن الليلية وأسلوب الكر والفر وكان لانتصار المجاهدين من قبائل زمور وزيان بقيادة موحا وحمو الزياني في نونبر1914 على القوات الاستعمارية في معركة الهري أثرا معنويا كبيرا على قبائل منطقة تازة ، إذ استأنفت الجهاد مستغلة ظروف الحرب العالمية الأولى...ولم تنته المقاومة المغربية بهذه الربوع إلا بعد استسلام قائد الثورة الريفية سنة 1926..
للعلم فإن محمد المامون صعد من شنكيط ( موريطانيا الحالية ) عبر الصحراء المغربية ( هو من مواليد 1880) وكان همه طلب العلم إلى حدود 1907 حيث تم استقباله بحفاوة من طرف علماء السلطان مولاي عبد العزيزودرَس بجامع القرويين ومدرسة العطارين قبل أن يتوجه من جديد إلى مكة لأداء مناسك الحج وزار خلال رحلته هذه أغلب مدن الشرق الهامة كدمشق وبيروت والقدس والإسكندرية ثم عاد إلى المغرب سنة 1910 ليتجه إلى فاس مرة أخرى لكن المقام لم يطل به ولما عزم على العودة إلى أرض الصحراء/ مسقط رأسه ونشأته توقف بمدينة تازة وتبعا لرغبة أهلها اضطلع بالتدريس في الجامع الأعظم ...ثم المدرسة الطيبية الدرقاوية ( لا زالت توجد بتازة وتحمل إسم الزاوية الدرقاوية ) لكن زحف الجيش الاستعماري الفرنسي شرقا وغربا وتهديده للمنطقة دفع سكان المدينة إلى تحفيزه على تزعم الجهاد ضد الخطر المحدق بالبلاد الشيء الذي بدأه فعلا واستمر فيه عمليا إلى حدود 1925 لكن إقامته بالمنطقة والمدينة استمرتا حتى سنة 1930 إذ انتقل إلى الجنوب في هبة جديدة …
واصل محمد المامون حركته الجهادية فأطلق عليه لقب " أمير تازة وملوية والنواحي " مما خلق أوضاعا صعبة للجيش الفرنسي وجيش إفريقيا بحيث تغيرت التكتيكات والخطط غير ما مرة وبدأ الاعتماد على وحدات عسكرية متنقلة تابعة لموقع تازة بقيادة المقدم ديريجيون Derigion والذي تمكن في مستهل سنة 1915 من احتلال موقع سيدي احمد زروق بالبرانس بعد أن تكبد الطرفان خسائر جسيمة وبالطبع كانت الصحافة الفرنسية تبخس كل انتصارات المجاهدين وتركز على إنجازات الجيش الفرنسي في المنطقة إلى درجة أنها كانت تصفه بالفتان / الروكي الهارب والمتنقل دوما بين قبيلة وأخرى وتميل مع الصحافة كتابات paul Marty مثلا في مجلة العالم الإسلامي …(Revue du monde musulman )…
نختصر القول حول هذه الصفحة الهامة من تاريخ المغرب والمنطقة فنقول إن محمد المامون بالإضافة إلى دوره التأطيري والقيادي الذي اجتمعت حوله قبائل المنطقة كالبرانس وغياثة وبني وراين ومطالسة ومغراوة وكزناية امتد من شمال الأطلس المتوسط إلى الريف بتنسيق مع قيادات أخرى ونظرا لكثرة تنقلاته وطبيعة عملياته المسلحة ( شن حرب استنزاف حقيقية على المراكزالعسكرية المتقدمة وقوافل تموين القوات الفرنسية ) فقد اصطدم أيضا بالجيش الإسباني شمال منطقة تازة ..وفي سنة 1918 انتقل إلى بني وراين وهناك قاد الجهاد من جديد فشارك في معارك هرمومو ومطماطة ...والتي تكبدت فيها القوات الفرنسية وقوات الكوم خسائر معتبرة مقابل استشهاد المئات من بني وراين ...
لقد استطاع الشيخ محمد المامون تحريك جماعات بشرية كبيرة وتحاور مع زعماء الجهاد بالشمال المغربي وعلى رأسهم محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي شارك معه في معارك أنوال وجبل العروي وبذلك كسب شعبية وسمعة طيبة زيادة على تدبيره اللامرئي La gestion de l’invisible نظرا لتوفره على البعد الصوفي في حركته الجهادية ، وفي سنة 1921 غادر بني وراين وجاء إلى مطالسة ومن هناك بدأ نشاطه ضد الإسبان لكن بعد استسلام هذه القبيلة في أكتوبر 1925 اتجه نحو ورغة وفي عملية تافراوت ألقي عليه القبض كأسير حرب من طرف الجيش الاستعماري ( دور الجاسوسية ) يوم 24 دجنبر 1925 وأطلق سراحه بعد ذلك ولم تذكر المصادرالمقابل الذي قدمه هذا الشيخ المجاهد لفرنسا ...يذكر أنها أي فرنسا خسرت 2000 جندي ومجند من الكوم وأزيد من 3000 جريح في مواجهة قوات الثورة الريفية بين 1925 و 1926....
بعد كل هذه المواقف المشرفة ، تفرغ الشيخ الجليل ( وكان قد نيف على الخمسين من عمره ) للتدريس والإمامة بتازة (المدرسة العتيقة والمقصود بها الزاوية الدرقاوية ) ثم مسجد للا عذرا إلى حدود 1930وبهذا فقد جمع بين خصال الصوفي المتبتل والفقيه الإمام والمجاهد الميداني والقائد المؤطر....فهل هي استراحة محارب ؟؟ كلا طبعا ، سيواصل الشنكيطي جهاده المقدس في سبيل تحرير الوطن وهذه المرة اتجاها نحو الجنوب معقله الأصلي فقد غادر تازة سنة 1931حيث مر على الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين بمنطقة كردوس بسوس ( المرجع : محمد دحمان مقال " المجاهد الشيخ محمد المامون وقبائل تازة ص 73 وما بعدها / ندوة حول المقاومة وجيش التحرير بمنطقة تازة 2001 ) كما زار المدني الخصاصي ببوزكارن وبمجرد وصوله إلى منطقة الكعدة وهي حمادة بشمال الساقية الحمراء ( الصحراء المغربية المسترجعة ) في نفس السنة أعلن الجهاد من جديد وسانده في ذلك الشيخ الوالي بن الشيخ ماء العينين كما وجد استجابة من طرف قبائل الرقيبات واولاد بوسبع واولاد دليم ومعروف أن آل الشيخ ماء العينين يحملون ظهيرا شريفا من السلطان الحسن الأول برسم العمالة والولاية...وفي هذه الفترة كانت حركة الجهاد بالصحراء قد تراجعت بسبب رحيل رموزها الكبار أمثال الشيخ ماء العينين (- 1910) وأحمد الهيبة ( - 1919 ) ومحمد المأمون بن اعلي الشيخ ( - 1924) ...فكان مجيء محمد المامون الشنكيطي بمثابة إحياء لحركة الجهاد في المغرب وفي المنطقة وباختصار فقد اعترف الملازم بريفي شاربونو بتعرض " 700 من أطرنا لفقدان 110 من القتلى منهم ثلاثة ضباط وتسعة من ضباط الصف و 50 من الجرحى إنها نسبة مئوية من مقدار 30 في المائة من الأموات داخل الكوادر الأوربية " ومن المعارك التي كسبها المجاهدون تحت قيادة محمد المامون معركة " تجنين " أدت إلى مقتل 36 جنديا وضابطا وجرح 22 آخرين ...ومعركة " غزي ام التونسي " في غشت 1932 وتكبدت فيها قوات الاحتلال خسائر فادحة ....إلى درجة أن الفرنسيين كانوا قد وضعوا 1000 فرنك لمن يأتيهم برأس محمد المامون ( نفس المرجع ص 84) ، ويطول الحديث عن الشيخ المجاهد الذي اتخذ هذه المرة كلتة زمور كمجال استراتيجي لتأطير المجاهدين بعيدا عن فيالق القوات الاستعمارية الفرنسية ويوجد داخل التراب التابع للاستعمار الاسباني ( هو نفس الموقع الذي شهد عدة معارك ضارية بين القوات المسلحة الملكية ومرتزقة البوليساريو سنة 1979 ) إلى أن كانت سنة 1934 حيث اختلفت على ساكنة المنطقة كوارث الجفاف والحصار العسكري الفرنسي الإسباني واختلال التوازن في الأسلحة والعتاد مما اضطر معه محمدالمامون إلى اللجوء لمنطقة طرفاية بجوار مربيه ربه في ظل الحكم الإسباني رجلا متصوفا ورعا ووطنيا صادقا لم يشك لحظة واحدة في وحدة مصير المغرب شماله وجنوبه وشرقه وغربه ....إلى أن لقي ربه آمنا مطمئنا سنة 1966 عن 86 سن
التفاصيل سواء منها الحقيقي أوالمحور والموجه أوالملفق حتى ، موجودة في مظان المراجع والمصادر والمذكرات والوثائق المكتوبة والشهادات المختلفة وكتابات وسير رجال ونساء المرحلة وليس المجال هنا طبعا للحديث عن كل ذلك لأن حيزه المجلدات والمكتبات ومراكز البحث والجامعات وهو ما قامت بجزء منه ووثقته المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير ....
أقدم للأحبة القراء والمبحرين في أجواء الاحتفال وتخليد الذكرى الأربعين لحدث المسيرة الشعبية الخضراء التي حررت الصحراء الغربية المغربية من ربقة المستعمر الاسباني ...صفحة وطنية فريدة من نوعها تجلت خلالها مشاهد المقاومة الوطنية ووحدة المصير بين شمال المغرب وجنوبه... بين صحرائه ونجوده وجباله ...كأروع ما يمكن ...تلك هي المقاومة التي أججها وقادها المجاهد محمد المامون الشنكيطي خلال فترة التغلغل الاستعماري وحرب التهدئة والتي جوبهت بمقاومة القبائل المغربية ....وكان لمنطقة تازة وأحوازها نصيبا وافرا من تلك المقاومة خاصة وأن تقاليد الجهاد والتحفظ من الأجنبي الدخيل ظلت راسخة لدى تلك القبائل منذ حقب متقدمة من التاريخ تعود على الأرجح إلى فترة مقاومة الاستعمار الروماني نفسه مرورا بمختلف المراحل المعلومة ودور بلاد تازا في التصدي للمد الإيبيري من خلال الجهاد في الأندلس والمحاولات المتكررة لتحرير مدينة مليلية ( أبرزها حصار السلطان محمد بن عبد الله للمدينة المحتلة انطلاقا من تازة سنة 1774 والذي لم يكلل بالنجاح نظرا لتخاذل الإيالة الجزائرية / العثمانية عن تحرير وهران في نفس الوقت وبالتالي تراجعها عما تم الاتفاق عليه مع سلطان الإيالة الشريفة )....ثم دعم مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري ...والجنوب الوهراني / بوعزة الهبري ....عبد المالك والحجامي ومحمد المامون والشنكيطي باعتبار أصوله ونشأته الصحراوية الجامعة بين أدرار التمر ( بموريطانيا الحالية والتي كانت جزءا من الإمبراطورية المغربية الشريفة كما لايخفى ) وقبيلة أهل بارك الله الزاوية ( من جهة أمه ) القاطنة بمنطقة وادي الذهب وهي الحيز الجنوبي من الصحراء المغربية الغربية التي استرجعها المغرب تباعا سنة 1975 و1979 ...
بدأت أخبار الشنكيطي ودعوته الجهادية تتواتر في الصحافة الفرنسية وكتابات الضباط والجنود الفرنسيين بدءا من سنة 1913 وبالضبط منذ ماي من تلك السنة حيث بايعته قبائل منطقة تازة قائدا للجهاد بإيعاز من الزاوية الدرقاوية التي لعبت دورا هاما في التصدي للجيش الفرنسي على مستوى المنطقة ...يذكر أنه في نفس هذه السنة كانت القوات الفرنسية بقيادة ليوطي وبمغارتن وغوروقد سيطرت على امسون ( 30 كلم شرق تازة ) وتيسة شمال فاس بعد بسط السيطرة على حوض ملوية الشرقي والغربي وإخضاع العاصمة فاس على إثر أيامها الدامية ... وبدأت القبائل فعلا تهاجم عساكر الفرنسييين ومراكزهم المتقدمة وقوافل تموينهم وخاصة منها غياثة والبرانس وذلك بتنسيق مع المقاومة التي قادها عبد المالك بن محي الدين ضد الفرنسيين ،علما بان قادة آخرين للمقاومة المسلحة تحدثت عنهم مصادر الفترة - وكلها فرنسية - وأهم هؤلاء سيدي رحو والشريف الحجامي والسملالي وكان العداء الفرنسي الألماني على أشده وقتذاك ، الشيء الذي استغله الشيخ الشنكيطي للحصول على الأسلحة والدعم اللازمين عن طريق وكيل ألماني بمدينة مليلية وهو ما كبد الجيش الفرنسي خسائر كبيرة في الأرواح بلغت على سبيل المثال17 قتيلا وجريحا عند احتلال مدينة تازة و 39 قتيلا في مواجهة البرانس و46 في مواجهة التسول ....وطبعا مئات الشهداء والجرحى في صفوف القبائل الثائرة....وسجلت مناطق الطواهر وكدية البيوت( غشت 1914) وكدية الأبيض صدامات وهجومات عنيفة لقبائل المنطقة التي كانت تستعمل الكمائن الليلية وأسلوب الكر والفر وكان لانتصار المجاهدين من قبائل زمور وزيان بقيادة موحا وحمو الزياني في نونبر1914 على القوات الاستعمارية في معركة الهري أثرا معنويا كبيرا على قبائل منطقة تازة ، إذ استأنفت الجهاد مستغلة ظروف الحرب العالمية الأولى...ولم تنته المقاومة المغربية بهذه الربوع إلا بعد استسلام قائد الثورة الريفية سنة 1926..
للعلم فإن محمد المامون صعد من شنكيط ( موريطانيا الحالية ) عبر الصحراء المغربية ( هو من مواليد 1880) وكان همه طلب العلم إلى حدود 1907 حيث تم استقباله بحفاوة من طرف علماء السلطان مولاي عبد العزيزودرَس بجامع القرويين ومدرسة العطارين قبل أن يتوجه من جديد إلى مكة لأداء مناسك الحج وزار خلال رحلته هذه أغلب مدن الشرق الهامة كدمشق وبيروت والقدس والإسكندرية ثم عاد إلى المغرب سنة 1910 ليتجه إلى فاس مرة أخرى لكن المقام لم يطل به ولما عزم على العودة إلى أرض الصحراء/ مسقط رأسه ونشأته توقف بمدينة تازة وتبعا لرغبة أهلها اضطلع بالتدريس في الجامع الأعظم ...ثم المدرسة الطيبية الدرقاوية ( لا زالت توجد بتازة وتحمل إسم الزاوية الدرقاوية ) لكن زحف الجيش الاستعماري الفرنسي شرقا وغربا وتهديده للمنطقة دفع سكان المدينة إلى تحفيزه على تزعم الجهاد ضد الخطر المحدق بالبلاد الشيء الذي بدأه فعلا واستمر فيه عمليا إلى حدود 1925 لكن إقامته بالمنطقة والمدينة استمرتا حتى سنة 1930 إذ انتقل إلى الجنوب في هبة جديدة …
واصل محمد المامون حركته الجهادية فأطلق عليه لقب " أمير تازة وملوية والنواحي " مما خلق أوضاعا صعبة للجيش الفرنسي وجيش إفريقيا بحيث تغيرت التكتيكات والخطط غير ما مرة وبدأ الاعتماد على وحدات عسكرية متنقلة تابعة لموقع تازة بقيادة المقدم ديريجيون Derigion والذي تمكن في مستهل سنة 1915 من احتلال موقع سيدي احمد زروق بالبرانس بعد أن تكبد الطرفان خسائر جسيمة وبالطبع كانت الصحافة الفرنسية تبخس كل انتصارات المجاهدين وتركز على إنجازات الجيش الفرنسي في المنطقة إلى درجة أنها كانت تصفه بالفتان / الروكي الهارب والمتنقل دوما بين قبيلة وأخرى وتميل مع الصحافة كتابات paul Marty مثلا في مجلة العالم الإسلامي …(Revue du monde musulman )…
نختصر القول حول هذه الصفحة الهامة من تاريخ المغرب والمنطقة فنقول إن محمد المامون بالإضافة إلى دوره التأطيري والقيادي الذي اجتمعت حوله قبائل المنطقة كالبرانس وغياثة وبني وراين ومطالسة ومغراوة وكزناية امتد من شمال الأطلس المتوسط إلى الريف بتنسيق مع قيادات أخرى ونظرا لكثرة تنقلاته وطبيعة عملياته المسلحة ( شن حرب استنزاف حقيقية على المراكزالعسكرية المتقدمة وقوافل تموين القوات الفرنسية ) فقد اصطدم أيضا بالجيش الإسباني شمال منطقة تازة ..وفي سنة 1918 انتقل إلى بني وراين وهناك قاد الجهاد من جديد فشارك في معارك هرمومو ومطماطة ...والتي تكبدت فيها القوات الفرنسية وقوات الكوم خسائر معتبرة مقابل استشهاد المئات من بني وراين ...
لقد استطاع الشيخ محمد المامون تحريك جماعات بشرية كبيرة وتحاور مع زعماء الجهاد بالشمال المغربي وعلى رأسهم محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي شارك معه في معارك أنوال وجبل العروي وبذلك كسب شعبية وسمعة طيبة زيادة على تدبيره اللامرئي La gestion de l’invisible نظرا لتوفره على البعد الصوفي في حركته الجهادية ، وفي سنة 1921 غادر بني وراين وجاء إلى مطالسة ومن هناك بدأ نشاطه ضد الإسبان لكن بعد استسلام هذه القبيلة في أكتوبر 1925 اتجه نحو ورغة وفي عملية تافراوت ألقي عليه القبض كأسير حرب من طرف الجيش الاستعماري ( دور الجاسوسية ) يوم 24 دجنبر 1925 وأطلق سراحه بعد ذلك ولم تذكر المصادرالمقابل الذي قدمه هذا الشيخ المجاهد لفرنسا ...يذكر أنها أي فرنسا خسرت 2000 جندي ومجند من الكوم وأزيد من 3000 جريح في مواجهة قوات الثورة الريفية بين 1925 و 1926....
بعد كل هذه المواقف المشرفة ، تفرغ الشيخ الجليل ( وكان قد نيف على الخمسين من عمره ) للتدريس والإمامة بتازة (المدرسة العتيقة والمقصود بها الزاوية الدرقاوية ) ثم مسجد للا عذرا إلى حدود 1930وبهذا فقد جمع بين خصال الصوفي المتبتل والفقيه الإمام والمجاهد الميداني والقائد المؤطر....فهل هي استراحة محارب ؟؟ كلا طبعا ، سيواصل الشنكيطي جهاده المقدس في سبيل تحرير الوطن وهذه المرة اتجاها نحو الجنوب معقله الأصلي فقد غادر تازة سنة 1931حيث مر على الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين بمنطقة كردوس بسوس ( المرجع : محمد دحمان مقال " المجاهد الشيخ محمد المامون وقبائل تازة ص 73 وما بعدها / ندوة حول المقاومة وجيش التحرير بمنطقة تازة 2001 ) كما زار المدني الخصاصي ببوزكارن وبمجرد وصوله إلى منطقة الكعدة وهي حمادة بشمال الساقية الحمراء ( الصحراء المغربية المسترجعة ) في نفس السنة أعلن الجهاد من جديد وسانده في ذلك الشيخ الوالي بن الشيخ ماء العينين كما وجد استجابة من طرف قبائل الرقيبات واولاد بوسبع واولاد دليم ومعروف أن آل الشيخ ماء العينين يحملون ظهيرا شريفا من السلطان الحسن الأول برسم العمالة والولاية...وفي هذه الفترة كانت حركة الجهاد بالصحراء قد تراجعت بسبب رحيل رموزها الكبار أمثال الشيخ ماء العينين (- 1910) وأحمد الهيبة ( - 1919 ) ومحمد المأمون بن اعلي الشيخ ( - 1924) ...فكان مجيء محمد المامون الشنكيطي بمثابة إحياء لحركة الجهاد في المغرب وفي المنطقة وباختصار فقد اعترف الملازم بريفي شاربونو بتعرض " 700 من أطرنا لفقدان 110 من القتلى منهم ثلاثة ضباط وتسعة من ضباط الصف و 50 من الجرحى إنها نسبة مئوية من مقدار 30 في المائة من الأموات داخل الكوادر الأوربية " ومن المعارك التي كسبها المجاهدون تحت قيادة محمد المامون معركة " تجنين " أدت إلى مقتل 36 جنديا وضابطا وجرح 22 آخرين ...ومعركة " غزي ام التونسي " في غشت 1932 وتكبدت فيها قوات الاحتلال خسائر فادحة ....إلى درجة أن الفرنسيين كانوا قد وضعوا 1000 فرنك لمن يأتيهم برأس محمد المامون ( نفس المرجع ص 84) ، ويطول الحديث عن الشيخ المجاهد الذي اتخذ هذه المرة كلتة زمور كمجال استراتيجي لتأطير المجاهدين بعيدا عن فيالق القوات الاستعمارية الفرنسية ويوجد داخل التراب التابع للاستعمار الاسباني ( هو نفس الموقع الذي شهد عدة معارك ضارية بين القوات المسلحة الملكية ومرتزقة البوليساريو سنة 1979 ) إلى أن كانت سنة 1934 حيث اختلفت على ساكنة المنطقة كوارث الجفاف والحصار العسكري الفرنسي الإسباني واختلال التوازن في الأسلحة والعتاد مما اضطر معه محمدالمامون إلى اللجوء لمنطقة طرفاية بجوار مربيه ربه في ظل الحكم الإسباني رجلا متصوفا ورعا ووطنيا صادقا لم يشك لحظة واحدة في وحدة مصير المغرب شماله وجنوبه وشرقه وغربه ....إلى أن لقي ربه آمنا مطمئنا سنة 1966 عن 86 سن
إرسال تعليق