بلاد
المخزن وبلاد السيبة
لقد ركز
العديد من الباحثين الانثروبولوجيين خلال هذه الحقبة بثنائية بلاد المخزن وبلاد السيبة لكن
إذا انتقلنا إلى مستوى العلاقات العامة ما بين المخزن والقبائل كما طرحها أولا
باحثون وسوسيولوجيون فترة الحماية فإننا سنجد مجموعة من التصورات والأوصاف التي لا تستجيب
لمتطلبات الملاحظة المضبوطة والبحث النزيه ، ففي سياق حديثه عن " بلاد المخزن
" كنقطة واقعة ضمن دائرة النفوذ السياسي للمخزن و " بلاد السيبة "
حيث لا سلطة إدارية للمخزن بل اعتراف بالبعد الديني لأمير المؤمنين ، وفي هذا
الإطار يلاحظ " ميشوبلير " خاصة في منطقة جبالة التي تحتل موقعا وسطا
بين هذين القطبين، إذ يصعب أن ندرجها ضمن نظام معين فلا هي بقبائل خاضعة تماما
لسلطة المخزن، ولا هي بمنطقة مقطوعة الأواصر مع الجهاز المخزني، بحيث نجد أنها
قائمة بين هذا وذاك. فإذا كانت بلاد المخزن خاضعة لسلطة الدولة بأبعادها الدينية
والسياسية والمالية حيث ينهض السلطان بنفسه بمهام تعيين الموظفين الساهرين على
أحوال القبيلة من قياد وشيوخ وأبي مواريث ونظار، وإذا كانت الضرائب في نطاقها تؤدى بلا
أدنى اعتراض فإن قبائل جبالة لم تصل عموما إلى درجة رفض ممثلي جهاز المخزن ، بل
اقتصرت فقط على الحد من سلطتهم عن طريق التعلق " بالجماعة " والاحتكام
إلى الأعراف المرتبطة بها كما أن الجبايات لم تكن تستخلص لدى الجبليين بنفس
السهولة واليسر . وإذا كانت بلاد السيبة تعترف فقط بالمكانة الروحية للسلطان فإن
القبائل الجبلية تجاوزت ذلك إلى التعامل مع الإدارة المخزنية . وفي نفس السياق وفي
سنتي 1883- 1884 أي في نفس الحقبة قام شارل دوفوكو بزيارة استطلاعية إلى المغرب
فنزل أولا بطنجة على أساس أن تكون منطلقه نحو تفقد أوضاع القبائل والمدن المغربية
، ولم يمكث بها طويلا حتى قرر أن يغادرها إلى تطوان وفيما يخص الطريق التي ستربط
بين المدينتين أبدى " شارل دوفوكو " . الملاحظة التالية " عربات
صغيرة كانت تنطلق من طنجة ، الطريق كانت آمنة ولم تكن هنالك حاجة إلى حرس " .
ولا غرابة في ذلك ما دامت المنطقة في نظره تندرج ضمن ما سماه " بلاد المخزن
" على أن الأمان المخيم في النهار ينتهي مع الغروب حيث تشتد الحراسة على
أبواب المد اشر تحسبا لهجوم محتمل على المزروعات والمواشي. وأثناء مقامه بتطوان
فكر طويلا في الطريق التي سيختارها للذهاب إلى فاس وسنأتي بعد قليل لتفصيل هذه
الرحلة. ومهما اعتبرنا أهمية هذه الدراسات حول ثنائية بلاد المخزن وبلاد السيبة
فإننا لا ننسى مدى فعاليتها في توسيع الهوة بين المخزن وبين القبائل فهذه الدراسات
مكنت السلطات الاستعمارية من معرفة خصائص كل من هذه الأنظمة لتدخل كوسيط في آخر
المطاف خلال فترة الحماية ، خاصة تضعضع الجهاز المخزني وعجزه بسط كل نفوذه على
جميع القبائل مما سمح للمستعمر هضم هدا النظام وتسخيره لطموحاته الاستعمارية ، هذا
من جهة أما من جهة ثانية والتي تخص بالأساس النظام القبائلي فهو كذلك لم يكن في
حالة يحسد عليها بل العكس ، ففي غياب سلطة عليا وتواجد بعض القبائل المتمردة وندرة
بعض الموارد بالنسبة للقبائل أدى إلى نشوب صراعات بين بعض القبائل فيما بينها مما
أدى إلى انعدام الأمن وانتشار القتل والخوف . ويشمل ذلك الغني والفقير ، إذن كل
هذه الظروف التي تعيشها العديد من القبائل خلال هذه الفترة ساهمت في تسهيل عملية
تغلغل الجهاز الاستعماري الذي سيحل محل الجهاز المخزني خلال فترة الحماية ( 5 )، وهذا ما
حاول العديد من الباحثين شرعنته من خلال دراساتهم. وفي هذا الإطار نجد شارل دوفوكو
من خلال كتابه " استكشاف المغرب " يركز على مسألة الأمن بحيث كررت غير
ما مرة قضية انعدام الأمن بلاد السيبة إلى درجة انه " كتب انه سمح المسلمون وهم يقولون متى سيدخل الفرنسيون ليريحوننا
من غياتة وننعم بالسلم مثل أهالي تلمسان.
إرسال تعليق